الماء هو شريان الحياة وأحد أبسط الحقوق الإنسانية التي لا يمكن الاستغناء عنها. لكن في غزة، هذا الحق تحوّل إلى حلم بعيد المنال. فمنذ اندلاع الحرب الأخيرة في أكتوبر 2023، واشتداد الحصار الإسرائيلي على القطاع، دخلت أزمة المياه منعطفًا خطيرًا يهدد حياة أكثر من مليوني إنسان. العائلات باتت تعاني من العطش، والأطفال يصرخون بحثًا عن قطرة ماء نظيفة، بينما محطات التحلية شبه معطلة، والصهاريج لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية.
أزمة المياه في غزة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة حصار مستمر منذ سنوات طويلة، حيث تم تدمير البنية التحتية للمياه بشكل متكرر خلال الحروب المتعاقبة، ومنع دخول المواد اللازمة للإصلاح والصيانة. ومع الحرب الأخيرة، تفاقمت الكارثة حتى وصلت إلى مستويات كارثية تهدد الأرواح وتكشف الوجه الحقيقي لاستخدام الماء كسلاح حرب ضد المدنيين.
واقع المياه في قطاع غزة قبل الحرب الأخيرة
حتى قبل الحرب الحالية، كان قطاع غزة يعاني من أزمة مياه خانقة. أكثر من 97% من المياه الجوفية في القطاع غير صالحة للشرب، بسبب التلوث بمياه الصرف الصحي والتسربات المالحة القادمة من البحر. هذا الوضع دفع الأهالي للاعتماد على محطات التحلية المحلية أو شراء المياه من الصهاريج المتنقلة، بتكلفة مرتفعة تفوق قدرة الكثير من العائلات الفقيرة.
منظمات دولية كالأمم المتحدة و”اليونيسف” طالبت مرارًا برفع القيود عن إدخال المعدات ومواد الصيانة اللازمة لمحطات المياه، لكن الاحتلال الإسرائيلي كان يمنع وصولها بحجة “الاستخدام المزدوج”. ومع ذلك، بقيت بعض المحطات تعمل بطاقة جزئية لتوفير كميات محدودة من المياه الصالحة للشرب، إلى أن جاءت الحرب الأخيرة لتقضي على ما تبقى من أمل.
الحرب الأخيرة وتفاقم الأزمة
مع بداية العدوان الإسرائيلي في أكتوبر 2023، استهدفت الغارات الجوية شبكات المياه والصرف الصحي، ودمرت العديد من محطات التحلية. كما أن منع دخول الوقود جعل تشغيل المحطات المتبقية شبه مستحيل. وبذلك، وجد أكثر من مليوني إنسان أنفسهم أمام كارثة عطش حقيقية.
إضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل شددت الحصار على المعابر ومنعت دخول شاحنات المساعدات التي تحمل المياه والوقود. حتى القوافل الإنسانية التي كانت تصل عبر معبر رفح من مصر لم تكن كافية لتغطية الاحتياجات الأساسية. العائلات اضطرت لاستخدام مياه غير صالحة للشرب، مما تسبب بانتشار أمراض خطيرة مثل الإسهال والجفاف والتسمم المائي، خاصة بين الأطفال وكبار السن.
الأطفال الأكثر تضررًا
الأطفال في غزة هم أكثر الفئات تضررًا من أزمة المياه. الجفاف وسوء التغذية الناتجان عن نقص الغذاء والماء أديا إلى وفاة العديد منهم، فيما يعاني عشرات الآلاف من أمراض خطيرة مرتبطة بالمياه الملوثة. تقارير “اليونيسف” أكدت أن حياة آلاف الأطفال على المحك إذا لم يتم إدخال كميات كافية من المياه النظيفة بشكل عاجل.
صور الأطفال الذين يبحثون عن الماء في الشوارع، أو الذين يشربون من صهاريج غير نظيفة، أصبحت رمزًا لمعاناة غزة. هؤلاء الأطفال الذين كان يجب أن ينشغلوا باللعب والدراسة، أصبح همّهم الأول هو النجاة من العطش.
استخدام الماء كسلاح حرب
ما يحدث في غزة لا يمكن وصفه إلا بجريمة حرب مكتملة الأركان. فالماء، الذي يجب أن يكون حقًا إنسانيًا أساسيًا، يتم استخدامه كسلاح ضغط على المدنيين. الاحتلال يمنع دخول الوقود اللازم لتشغيل محطات التحلية، ويقصف شبكات المياه، ويغلق المعابر أمام المساعدات.
هذا السلوك يخالف كل القوانين الدولية والإنسانية، بما في ذلك اتفاقيات جنيف التي تحظر استهداف البنية التحتية المدنية أو حرمان الشعوب من احتياجاتها الأساسية. ومع ذلك، لا يزال العالم يتفرج بصمت على كارثة إنسانية قد تكون الأسوأ في القرن الحالي.
مبادرات محلية لمواجهة الأزمة
رغم الحصار والقصف، تحاول الجمعيات الخيرية المحلية في غزة التخفيف من الأزمة عبر مشاريع صغيرة لتوفير المياه. إحدى هذه المبادرات هي مشروع “التكية الخيرية“ الذي تديره جمعية أمة الخيرية، والذي يهدف إلى توفير المياه والغذاء للعائلات الفقيرة والمتضررة من الحرب.
من خلال تبرعات الخيرين، تعمل هذه المبادرات على شراء صهاريج مياه نظيفة وتوزيعها على الأحياء الأكثر تضررًا. ورغم محدودية الإمكانيات، إلا أن هذه الجهود تشكل شريان حياة حقيقي للآلاف من الأسر.
الحاجة إلى تدخل عاجل
إن استمرار أزمة المياه في غزة يعني أن الكارثة الإنسانية ستتفاقم أكثر وأكثر. فالماء ليس مجرد حاجة أساسية، بل هو شرط أساسي لبقاء الإنسان على قيد الحياة. إنقاذ حياة سكان غزة يتطلب:
- الضغط الدولي على الاحتلال لرفع الحصار والسماح بدخول الوقود والمعدات اللازمة لإصلاح شبكات المياه.
- زيادة الدعم المالي للمشاريع المحلية مثل “التكية الخيرية” لتوسيع نطاق عملها.
- حملات توعية وتضامن عالمية للفت الانتباه إلى أن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية صامتة عبر العطش.
كيف يمكننا المساعدة؟
كل شخص في أي مكان من العالم يمكن أن يكون جزءًا من الحل. التبرع لمشاريع إنسانية مثل “إطعام غزة“ لا يقتصر فقط على توفير الغذاء، بل يشمل أيضًا دعم توفير المياه للعائلات المحتاجة.
➡️ رابط الحملة للتبرع: إطعام غزة
تبرعك قد يكون سببًا في إنقاذ طفل من الموت عطشًا، أو حماية عائلة من الأمراض الناتجة عن المياه الملوثة.
خاتمة
أزمة المياه في غزة ليست مجرد مشكلة محلية، بل هي اختبار للضمير الإنساني العالمي. أن يُترك أكثر من مليوني إنسان ليعانوا العطش تحت الحصار والقصف هو جريمة لا يمكن تبريرها. العالم كله مدعو اليوم للتحرك من أجل إنقاذ غزة، ليس فقط بالكلمات أو بيانات الشجب، بل بالفعل والدعم المباشر.
في النهاية، قد لا نستطيع وقف الحرب أو رفع الحصار بأنفسنا، لكننا بالتأكيد نستطيع أن نمنح الأمل لمن حرموا من أبسط حقوقهم. لنكن جميعًا شركاء في الإنسانية، ولنبدأ بخطوة صغيرة قادرة على إنقاذ حياة كاملة: التبرع.