تعيش غزة منذ سنوات طويلة تحت حصار خانق فرضته إسرائيل، إلا أن الحرب الأخيرة التي اندلعت عام 2023 – 2024 جعلت الوضع الإنساني يتجه نحو كارثة حقيقية لم يشهدها القطاع من قبل، وخاصة فيما يتعلق بملف المياه. فالمياه، التي تُعد شريان الحياة وأساس بقاء الإنسان، أصبحت اليوم في غزة عملة نادرة، يشوبها التلوث وغياب العدالة في التوزيع، بل وأحيانًا تنقطع تمامًا عن مئات الآلاف من السكان لفترات طويلة.
إن أزمة المياه في غزة ليست جديدة، لكنها اليوم دخلت مرحلة حرجة بفعل الدمار الهائل الذي أصاب البنية التحتية، إلى جانب الحصار الإسرائيلي الذي يمنع دخول المساعدات والمعدات ومواد الصيانة وقطع الغيار اللازمة لإصلاح شبكات المياه ومحطات التحلية. وبين القصف الذي دمّر والقيود التي تمنع وصول أي بدائل، يجد سكان غزة أنفسهم أمام كارثة إنسانية تهدد حياتهم اليومية وصحتهم بشكل مباشر.
الحرب الأخيرة: استهداف متعمد للبنية التحتية المائية
خلال الأشهر الماضية، تعرضت غزة لسلسلة من الهجمات العسكرية التي استهدفت بشكل مباشر محطات تحلية المياه، خطوط الأنابيب، وآبار المياه الجوفية. ووفقًا لتقارير محلية ودولية، خرجت نسبة كبيرة من هذه المرافق عن الخدمة نتيجة القصف المتكرر ونقص الوقود اللازم لتشغيلها.
الأمم المتحدة أكدت أن ما يزيد عن مليون ونصف إنسان في غزة حُرموا من المياه النظيفة لساعات وأيام متواصلة خلال الحرب، بينما اضطرت آلاف العائلات للاعتماد على مياه البحر المالحة أو شراء المياه من الصهاريج بأسعار لا تستطيع معظم الأسر دفعها.
إن استهداف شبكات المياه لم يكن مجرد ضرر جانبي للحرب، بل هو جزء من سياسة ممنهجة لعزل المدنيين وتجويعهم وتعطيشهم، وهو ما دفع منظمات حقوقية عديدة إلى وصف ما يجري في غزة بأنه عقاب جماعي محرم دوليًا.
الحصار الإسرائيلي ومنع إدخال المساعدات
إلى جانب الدمار الكبير، جاء الحصار الإسرائيلي المشدد على دخول المساعدات الإنسانية ليزيد الوضع سوءًا. فمنذ بداية الحرب الأخيرة، تم منع أو عرقلة دخول شحنات الوقود التي تحتاجها محطات الكهرباء، وهو ما أدى إلى توقف عمل محطات معالجة وتحلية المياه.
كما أن معدات الصيانة وقطع الغيار التي تحتاجها مرافق المياه لإصلاح الأعطال لم يُسمح بدخولها، ما جعل آلاف الأمتار من الأنابيب مدمرة دون أي إمكانية لإصلاحها. بل إن بعض القوافل الإغاثية التي حاولت إدخال خزانات مياه أو أجهزة تنقية تعرضت للتأخير أو الإرجاع.
هذا المنع الممنهج أدى إلى تفاقم الأزمة الصحية، حيث ارتفعت معدلات الأمراض المرتبطة بالمياه الملوثة مثل:
- الإسهال الحاد بين الأطفال.
- التيفوئيد والكوليرا نتيجة اختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي.
- أمراض الكبد والفشل الكلوي نتيجة استهلاك المياه المالحة وغير المعالجة.
وبحسب اليونيسف، فإن 95% من المياه في غزة غير صالحة للشرب، والحصار يمنع إدخال المواد الكيميائية والأجهزة اللازمة لمعالجتها.
معاناة العائلات اليومية
داخل البيوت، تتحول أزمة المياه إلى كابوس يومي. فالأمهات يقضين ساعات طويلة في البحث عن جالون ماء صالح للشرب. الأطفال يشربون كميات أقل من حاجتهم الأساسية، مما يهدد نموهم وصحتهم الجسدية والعقلية. كبار السن والمرضى يواجهون خطر الجفاف وتدهور حالتهم الصحية.
هناك عائلات تضطر إلى شرب مياه البحر بعد غليها أو تصفيتها بطرق بدائية، رغم معرفتهم بأنها ملوثة بالملوحة العالية والجراثيم. وهناك عائلات أخرى تبيع جزءًا من طعامها لتتمكن من شراء الماء. وهكذا أصبح الماء أغلى من أي سلعة أخرى في غزة المحاصرة.
جهود الإغاثة في ظل الظروف الصعبة
رغم الحصار والتحديات، تسعى مؤسسات إنسانية مثل جمعية أمة الخيرية إلى التخفيف من معاناة سكان غزة من خلال مشاريع توفير المياه. وتشمل هذه المشاريع:
- توزيع خزانات مياه على العائلات المحتاجة.
- توفير أجهزة تحلية وتنقية منزلية.
- دعم تشغيل محطات تنقية المياه المحلية.
- حفر آبار جديدة لتوفير مصادر إضافية للمياه.
غير أن استمرار الأزمة يجعل الحاجة إلى الدعم الإنساني أكبر من أي وقت مضى. فالعائلات الغزية اليوم بحاجة عاجلة لكل قطرة ماء نظيفة تصل إليها.
تبرعك اليوم يمكن أن يصنع فرقًا حقيقيًا:
إن مساهمتك ليست مجرد صدقة، بل هي إنقاذ لحياة إنسان عطشان، ووقاية لطفل من مرض، وحماية لعائلة كاملة من المعاناة اليومية.
أزمة المياه في غزة لم تعد مجرد قضية خدمية أو بيئية، بل أصبحت كارثة إنسانية كبرى تعكس الوجه الحقيقي للحصار والحرب التي تستهدف المدنيين في أبسط حقوقهم. إن منع الماء عن الناس هو جريمة بحق الإنسانية، لكن التضامن العالمي يمكن أن يصنع فارقًا حقيقيًا.
كن أنت سببًا في إنقاذ حياة طفل عطشان أو مريض يحتاج إلى ماء نظيف. تبرع الآن عبر حملة “إطعام غزة – مشروع المياه” من خلال الرابط:
👉 https://uhr-tr.com/gaza-water