أطفال غزة تحت النار: براءة تُذبح بصمت

لم تعد مأساة غزة مجرد عناوين عابرة في نشرات الأخبار أو تقارير منظمات حقوق الإنسان، بل تحولت إلى جرح مفتوح ينزف أمام أعين العالم بأسره. ومع اندلاع الحرب الأخيرة على قطاع غزة وما رافقها من حصار خانق تفرضه إسرائيل منذ أكثر من عشرة أشهر متواصلة، أصبحت الطفولة الغزية هدفاً مباشراً للتجويع والقصف والإبادة البطيئة.
الأطفال الذين من المفترض أن ينشغلوا باللعب والدراسة والأحلام البريئة، أصبحوا اليوم يقضون ساعاتهم في البحث عن الماء والخبز، أو الاحتماء بين أنقاض البيوت المهدمة، أو التمسك بأيدي أمهاتهم خوفاً من غارة جديدة.

هذه الحرب لم تدمر الحجر فقط، بل سلبت الإنسان كرامته وحقه في الحياة. الطفل الغزي لم يعد مجرد ضحية جانبية، بل صار رمزاً لمعاناة أمة كاملة.

الحرب الأخيرة والحصار: حين تُحاصر البراءة

منذ السابع من أكتوبر اندلعت الحرب التي أعادت غزة إلى مشهد المأساة الإنسانية بكل تفاصيلها المظلمة. آلاف الغارات الجوية والصواريخ الثقيلة استهدفت الأحياء السكنية المكتظة، فلم يسلم بيت أو مدرسة أو مستشفى.
ومع هذا الدمار الممنهج، جاء الحصار الإسرائيلي المشدد على دخول المساعدات الإنسانية ليكمل فصول الكارثة.

الأمم المتحدة أكدت أن أكثر من مليوني إنسان في غزة أصبحوا يعيشون بلا غذاء كافٍ، بلا مياه نظيفة، وبأدنى حد من الخدمات الصحية. لكن المأساة الأكبر تطال الأطفال، إذ تشير تقارير اليونيسف إلى أن أكثر من نصف مليون طفل يواجهون خطر سوء التغذية الحاد، في وقت تمنع فيه إسرائيل مرور الشاحنات الإغاثية إلا ببطء شديد، بل وتعيد الكثير منها من المعابر.

هكذا تحوّل الحصار إلى سلاح لا يقل فتكاً عن القصف، فهو يقتل الأرواح ببطء شديد.

الأطفال بين الركام: مشاهد لا تُحتمل

عند التجول في شوارع غزة اليوم، ترى صورة متكررة: أطفال حفاة يسيرون بين أنقاض منازلهم المدمرة، يبحثون عن ألعابهم القديمة أو بعض الخبز اليابس. بعضهم فقد والده أو والدته أو إخوة صغاراً، وآخرون أصبحوا مشردين بلا مأوى.

أطباء غزة يتحدثون عن مشاهد مأساوية: أطفال يعانون من الهزال الشديد بسبب قلة الغذاء، وأمراض جلدية بسبب انعدام النظافة، وإصابات جسدية لم تجد العلاج المناسب بسبب نقص الأدوية.
أما الجانب النفسي فهو كارثي. آلاف الأطفال يعيشون تحت وقع صدمة الحرب: صراخ متواصل أثناء النوم، تبول لا إرادي، وفقدان القدرة على الكلام عند بعضهم.

في أحد تقارير الصليب الأحمر، وُصفت غزة بأنها “أكبر سجن للأطفال في العالم”، حيث يعيش الصغار تحت حصار متواصل وحرب دورية تجعل حياتهم سلسلة من الرعب والفقدان.

براءة تحت الاستهداف: التعليم المفقود

لم يسلم قطاع التعليم من الحرب والحصار. مئات المدارس إما دُمرت بالكامل أو تحولت إلى مراكز إيواء للنازحين.
الأطفال الذين كانوا يحلمون بمقاعد دراسية دافئة ودفاتر جديدة، أصبحوا يتكدسون في قاعات مكتظة بلا معلمين أو كتب أو كهرباء.

اليونيسكو أشارت إلى أن جيلًا كاملاً من أطفال غزة مهدد بخسارة سنوات تعليمية حرجة، وهو ما يعني كارثة مستقبلية تمتد لعقود.
كيف لطفل فقد بيته وأسرته وكتبه أن يحافظ على حلمه بالدراسة؟

الجوع: عدو الطفولة الأكبر

الغذاء هو أساس الحياة، لكن في غزة أصبح حلمًا بعيد المنال.
الخبز يُصنع من دقيق نادر يصل بصعوبة، والمياه النظيفة تكاد تختفي، والحليب أصبح رفاهية لا يحصل عليها إلا القليل.
أمهات كثيرات يتحدثن عن أطفال ينامون جوعى، وأحياناً يعطونهم ماءً ممزوجاً بالسكر ليخدعوا بطونهم الفارغة.

منظمات الإغاثة العالمية حذرت مراراً من أن المجاعة تطرق أبواب غزة، وأن الأطفال سيكونون أول الضحايا. الجسد الصغير لا يحتمل صياماً إجبارياً طويلاً ولا يستطيع مقاومة الأمراض من دون غذاء متوازن.

منع المساعدات: جريمة مركبة

الحصار الإسرائيلي لم يقتصر على تقييد حركة الناس أو تدمير البنية التحتية، بل امتد ليشمل منع دخول المساعدات الإنسانية.
شاحنات الغذاء المتوقفة على معبر كرم أبو سالم لساعات وأيام، في حين يموت الأطفال جوعاً، هي أكبر دليل على سياسة العقاب الجماعي التي تُمارس ضد سكان غزة.

حتى حين تدخل بعض المساعدات، تكون كميات قليلة لا تكفي لمليونين ونصف إنسان. وبدلاً من أن تكون الأولوية للأطفال والمرضى، يتأخر وصولها بسبب البيروقراطية والسياسات التعجيزية.

هذا الحرمان المتعمد من الغذاء والدواء يُصنف وفق القانون الدولي كجريمة حرب، لكن غزة تُركت وحيدة تواجه هذا المصير القاتل.

غزة في مواجهة العالم: صمود رغم الألم

ورغم هذا المشهد القاتم، يظل أطفال غزة يقدمون درساً للعالم في الصمود.
طفل صغير يبتسم وهو يحمل قطعة خبز يابسة، وآخر يعيد رسم بيته المدمر على دفتر قديم، وثالث يساعد أمه في جلب الماء من مسافة بعيدة… كلها صور تُظهر أن البراءة تقاوم رغم كل شيء.

لكن الصمود وحده لا يكفي. أطفال غزة يحتاجون إلى الغذاء والدواء والملابس والدفء، وهم بحاجة إلى تضامن العالم الحر لإيقاف هذه الكارثة المستمرة.

واجبنا الأخلاقي والإنساني

أطفال غزة ليسوا مجرد أرقام في تقارير الأمم المتحدة، بل وجوه حقيقية وأحلام حقيقية تُسحق تحت أقدام الحصار والحرب.
كل يوم يمر من دون تدخل يعني المزيد من الجوع، والمزيد من الموت البطيء، والمزيد من البراءة التي تُذبح بصمت.

هنا يبرز دورنا جميعاً: التبرع لمشاريع الإغاثة المباشرة التي تصل إلى هؤلاء الأطفال وتنقذ حياتهم. ومن بين هذه المشاريع مشروع التكية الخيرية الذي تنفذه جمعية أمة الخيرية لتوفير وجبات يومية للأسر المحاصرة.

تبرعك اليوم يمكن أن يكون الفارق بين طفل ينام جائعاً وطفل ينام مشبعاً.
👉 تبرع الآن عبر حملة “إطعام غزة”