بين أنين الجوع وصدى القذائف، تختنق مدينة الفاشر – عاصمة ولاية شمال دارفور – في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي يشهدها السودان في تاريخه الحديث.
لم تعد الفاشر مجرد مدينة منكوبة، بل صارت رمزًا للوجع الإنساني العميق؛ رمزًا للجوع، للدموع، وللصمت العالمي القاسي الذي يرافق كل صرخة أم تبحث عن طفلها تحت الركام، وكل شيخ يحتضر جوعًا لأن الطعام لم يصل منذ أسابيع.
اليوم، بينما تتهاوى المستشفيات وينقطع الماء والدواء، تقف جمعية أمة الخيرية (UHR) كيدٍ رحيمة تمتد من بعيد، تحاول أن تنقذ ما يمكن إنقاذه، وتطعم الجائع، وتضمّد الجرح، وتمنح الأمل لأمةٍ أنهكها الحصار والخذلان.
مأساة الفاشر بعد سقوطها
حين سقطت مدينة الفاشر بيد قوات الدعم السريع، لم تكن الخسارة عسكرية فحسب، بل كانت إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
فمنذ اللحظة الأولى، تحولت المدينة إلى سجنٍ كبير، يُحاصر فيه أكثر من نصف مليون إنسان بين الجوع والخوف والموت.
قُطعت الطرق المؤدية إليها، وأُغلقت الممرات الإنسانية التي كانت تُدخل الغذاء والدواء. ووفقًا لتقارير صادرة عن مصادر حكومية ومؤسسات إنسانية، فقد تم قتل أكثر من 1500 مدني بعد سقوط المدينة، كثيرٌ منهم من الأطفال والنساء وكبار السن الذين لم يستطيعوا الهرب من بيوتهم.
لكن الأرقام لا تروي سوى جزءٍ صغير من القصة. فالحياة في الفاشر اليوم تشبه صحراء من اليأس:
- لا مياه نظيفة للشرب،
- لا خبز ولا غذاء،
- ولا أمان في الطرقات.
يقول أحد السكان في شهادة نقلتها المنظمات الإنسانية:
“كنا نقتسم كسرة الخبز الواحدة بين عشرة أشخاص، حتى تلك الكسرة لم تعد موجودة.”
الجوع يفتك بالأبرياء
تغيب المواد الغذائية من الأسواق، وتتحول الطوابير أمام الأفران إلى مأساة يومية، إذ لا يكاد يوجد طحين كافٍ ليومٍ واحد.
النازحون يعيشون على ما تصلهم من بقايا مساعدات، والمساعدات نفسها محاصرة، لا يُسمح بدخولها إلا في نطاق ضيّق إن وُجد.
تُظهر تقارير برنامج الأغذية العالمي أن نسبة انعدام الأمن الغذائي في مناطق شمال دارفور بلغت مستويات “كارثية”، حيث يعيش معظم السكان على وجبة واحدة في اليوم – وغالبًا ما تكون بلا قيمة غذائية تُذكر.
أمّا الأطفال، فهم الضحية الأولى؛ بطونهم المنتفخة من الجوع، ووجوههم الشاحبة تروي قصة أمةٍ تُترك لتموت بصمت.
في خضم هذا الخراب، تعمل جمعية أمة الخيرية على توفير وجبات طعام عاجلة للنازحين، من خلال مشاريع الإطعام والإغاثة العاجلة، التي تنفذها فرقها الميدانية بالتعاون مع شركاء محليين.
كل تبرع يُرسل من الخارج يُترجم في الداخل إلى رغيف خبز، أو وجبة ساخنة، أو قنينة ماءٍ تُعيد الحياة لطفلٍ يحتضر.
انهيار الخدمات الطبية والإنسانية
المستشفيات في الفاشر لم تعد صروحًا للشفاء، بل صارت مواقع مهددة بالقصف أو النهب أو الانقطاع الكامل عن الطاقة.
نقص الأدوية جعل الأطباء يقفون عاجزين أمام الجرحى والمرضى، فيما يُستقبل الأطفال المصابون بسوء التغذية دون قدرة على علاجهم.
منظمة الصحة العالمية وصفت الوضع بأنه “كارثة طبية مركّبة”، حيث يختلط الجوع بالمرض والموت دون تفرقة.
الآلاف من المرضى الذين كانوا يتلقون علاجهم في الفاشر تُركوا لمصيرٍ مظلم بعد إغلاق الطرق، حتى سيارات الإسعاف لم تعد قادرة على الحركة بسبب انعدام الوقود..
موجات النزوح والمأساة الجماعية
لا يمكن وصف مشهد النزوح في دارفور إلا بأنه “هروبٌ جماعي من الجحيم”.
آلاف العائلات تركت بيوتها المهدّمة، تسير على الأقدام لمسافات طويلة بحثًا عن مأوى، أو لقمة تسدّ الجوع.
مخيمات النزوح تعاني اكتظاظًا غير مسبوق، حيث تعيش الأسر في خيام مهترئة تحت حرٍّ قاتل، دون ماء أو صرف صحي.
النازحون الذين استطاعوا الفرار نحو المدن الأخرى يعيشون مأساة إنسانية لا تقل قسوة: لا وظائف، ولا مدارس، ولا أمل في العودة.
ومع ذلك، فإن وجود المنظمات الخيرية مثل جمعية أمة الخيرية يمنح بصيص أملٍ في قلب هذا الظلام.
كل تبرع يصل عبر حملة “إغاثة السودان“ أو مشروع “إطعام الفاشر“ يعني حياة جديدة لعائلةٍ بأكملها، ويمنحهم فرصة للبقاء.
الحصار ومنع المساعدات
الحصار المفروض على دارفور، خاصةً بعد سقوط الفاشر، جعل دخول المساعدات أمرًا شبه مستحيل.
قوافل الإغاثة تُحتجز عند مداخل المدن، والمستودعات تتعرض للنهب، ما جعل المنظمات الإنسانية عاجزة عن إيصال الغذاء والدواء لمن يحتاجونه.
المنسق الإنساني للأمم المتحدة وصف الوضع بأنه “كارثة متصاعدة في ظل الحصار الممنهج”، مؤكدًا أن المدنيين يُتركون للموت البطيء.
لكن رغم كل ذلك، ما زالت جمعية أمة الخيرية تعمل في الميدان، وتبحث عن طرق بديلة لإيصال المساعدات من خلال فرقها المنتشرة في المناطق الآمنة.
ماذا يمكننا أن نفعل نحن؟
قد يبدو ما يحدث في السودان بعيدًا عن أنظارنا، لكن الحقيقة أن كل إنسان قادر على إحداث فرق.
تبرع بسيط يمكن أن يُنقذ روحًا، ويمنح الأمل لعائلةٍ فقدت كل شيء.
إن دعم مشاريع جمعية أمة الخيرية اليوم ليس مجرد إحسان، بل واجب إنساني تجاه أمةٍ تتألم.
كما وقفت الجمعية إلى جانب أهل غزة، فهي اليوم تقف بجانب السودان والفاشر، حاملة رسالتها الإنسانية:
“حيث يوجد جوع، نكون نحن. حيث يوجد ألم، نكون اليد التي تمسح الدمع.”
يمكنك المساهمة الآن عبر حملة جمعية أمة:
🔗 ساهم في إغاثة السودان الآن



